فصل: الجراح وأقسامها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


الجراح وأقسامها

2075 - مسألة‏:‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَوَّلُهَا الْحَارِصَةُ ثُمَّ الدَّامِيَةُ ثُمَّ الدَّامِعَةُ ثُمَّ الْبَاضِعَةُ ثُمَّ الْمُتَلاَحِمَةُ ثُمَّ السِّمْحَاقُ وَهِيَ أَيْضًا ‏:‏ الْمِلْطَا‏.‏ ثُمَّ الْمُوضِحَةُ ثُمَّ الْهَاشِمَةُ ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ وَهِيَ الآمَّةُ أَيْضًا‏.‏ وَفِي الْجَوْفِ وَحْدَهُ ‏:‏ الْجَائِفَةُ وَهِيَ الَّتِي نَفَذَتْ إلَى الْجَوْفِ‏.‏ وَالْحَارِصَةُ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ شَقًّا خَفِيفًا يُقَالُ ‏:‏ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ شَقًّا لَطِيفًا‏.‏ وَالدَّامِيَةُ هِيَ الَّتِي ظَهَرَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَمْ يَسِلْ‏.‏ وَالدَّامِعَةُ هِيَ الَّتِي سَالَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ دَمٍ كَالدَّمْعِ‏.‏ وَالْبَاضِعَةُ هِيَ الَّتِي شَقَّتْ الْجِلْدَ وَوَصَلَتْ إلَى اللَّحْمِ وَالْمُتَلاَحِمَةُ هِيَ الَّتِي شَقَّتْ الْجِلْدَ وَشَرَعَتْ فِي اللَّحْمِ‏.‏ وَالسِّمْحَاقُ هِيَ الْمِلْطَا ‏:‏ وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ كُلَّهُ وَوَصَلَتْ إلَى الْقِشْرَةِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي عَلَى الْعَظْمِ‏.‏ وَالْمُوضِحَةُ الَّتِي شَقَّتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَتِلْكَ الْقِشْرَةِ وَأَوْضَحَتْ عَنْ الْعَظْمِ‏.‏ وَالْهَاشِمَةُ الَّتِي قَطَعَتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَالْقِشْرَةَ وَأَثَّرَتْ فِي الْعَظْمِ فَهَشَّمَتْ فِيهِ‏.‏ وَالْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الْمَنْقُولَةُ أَيْضًا الَّتِي فَعَلَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَسَرَتْ الْعَظْمَ فَصَارَ يَخْرُجُ مِنْهَا الْعِظَامُ‏.‏ وَالْمَأْمُومَةُ الَّتِي نَفَذَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ وَشَقَّتْ الْعَظْمَ كُلَّهُ ‏,‏ فَبَلَغَتْ أُمَّ الدِّمَاغِ هَذَا الْكَلاَمُ كُلُّهُ

هَكَذَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ الأَصْمَعِيِّ ‏,‏ وَغَيْرِهِ ‏,‏ فَذَكَرَ كَمَا ذَكَرْنَا

قال أبو محمد ‏:‏ فَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ كَمَا قَدَّمْنَا ‏:‏ لاَ قِصَاصَ فِي الْعَمْدِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِلاَّ فِي الْمُوضِحَةِ وَحْدَهَا ‏,‏ وَادَّعَوْا أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي ذَلِكَ مُتَعَذَّرَةٌ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ بَلْ الْقِصَاصُ فِي كُلِّهَا ‏,‏ وَالْمُمَاثَلَةُ مُمْكِنَةٌ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ مِنْ الْقِصَاصِ فِيهَا بِرَأْيِهِ قَبْلُ ‏,‏ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ‏.‏ وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ‏}‏ بِرَفْعِ الْحَاءِ

وَقَالَ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لاَ تُمْكِنُ فِيهِ مُمَاثَلَةٌ لَمَا أَجْمَلَ لَنَا أَمْرَهُ بِالْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ جُمْلَةً ‏,‏ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى التَّامَّةِ الصَّادِقَةِ ‏,‏ وَنَقْطَعُ قَطْعَ الْمُوقِنِ الْمُصَدِّقِ بِكَلاَمِ رَبِّهِ تَعَالَى ‏:‏ أَنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ الْجُرُوحِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْقِصَاصِ فِي الْعَمْدِ لَبَيَّنَهَا لَنَا كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ كِتَابِهِ أَنَّهُ أَنْزَلَهُ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ‏,‏ فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ‏,‏ فَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَسَمًا بِرًّا ‏:‏ أَنَّهُ مَا أَرَادَ قَطُّ تَخْصِيصَ شَيْءٍ مِنْ الْجُرُوحِ بِالْمَنْعِ مِنْ الْقِصَاصِ مِنْهُ ‏,‏ إِلاَّ فِي الأَعْتِدَاءِ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2076 - مسألة‏:‏ من قتل عمدا فعفي عنه وأخذ منه الدية ‏,‏ أو المفاداة

قال أبو محمد ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُنْفَى سَنَةً كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الَّذِي يَقْتُلُ عَمْدًا ‏:‏ أَنَّهُ لاَ يَقَعُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ بِجَلْدِ مِائَةٍ ‏,‏ قُلْت ‏:‏ كَيْفَ قَالَ فِي الْحُرِّ يَقْتُلُ عَمْدًا ‏,‏ أَوْ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ‏.‏ وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ جَلَدَ حُرًّا قَتَلَ عَبْدًا مِائَةً وَنَفَاهُ عَامًا وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت أَنَّ الَّذِي يَقْتُلُ عَبْدًا يُسْجَنُ سَنَةً وَيُضْرَبُ مِائَةً‏.‏ وَبِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ‏:‏ إنْ قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا عُوقِبَ بِجَلْدٍ وَجِيعٍ ‏,‏ وَسِجْنٍ ‏,‏ وَبِعِتْقِ رَقَبَةٍ ‏,‏ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ‏,‏ وَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ ‏,‏ وَاللَّيْثُ‏.‏ وَمَالِكٌ ‏:‏ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَعَفَا عَنْهُ الأَوْلِيَاءُ ‏,‏ أَوْ فَادَوْهُ بِالدِّيَةِ ‏;‏ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ مِائَةَ سَوْطٍ مَعَ ذَلِكَ ‏,‏ وَيُنْفَى سَنَةً إلَى أَنْ قَالَ مَالِكٌ ‏:‏ فِي الْقَسَامَةِ يُدْعَى عَلَى جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ لاَ يُقْسِمُونَ إِلاَّ عَلَى وَاحِدٍ فَإِنْ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ قَتَلُوهُ ‏,‏ وَضَرَبَ الْبَاقُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِائَةِ سَوْطٍ ‏,‏ وَيُنْفَوْا كُلُّهُمْ سَنَةً سَنَةً‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ‏:‏ كَمَا ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ‏:‏ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ تَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصَ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ‏}‏ فَالْعَفْوُ ‏:‏ أَنْ تَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَعَلَى هَذَا أَنْ يَتْبَعَ بِالْمَعْرُوفِ ‏,‏ وَعَلَى ذَلِكَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ‏,‏ وَالشَّافِعِيُّ ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ‏,‏ وَأَبُو سُلَيْمَانَ ‏,‏ وَأَصْحَابُهُمْ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا نَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْمُوجِبَةُ لِلأَدَبِ وَالنَّفْيِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ أَوْ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَنْ تَابَ‏}‏ قَالَ ‏:‏ فَشَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَتْلَ بِالزِّنَى‏.‏ وَوَجَدْنَا الزِّنَى فِيهِ الرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ ‏,‏ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا سَقَطَ عَنْهُ الْعَقْلُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ‏.‏ قَالُوا ‏:‏ فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ قَتَلَ فَسَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ‏.‏ وَذَكَرُوا ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏,‏ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ عَمْرٌو عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ‏,‏ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ اتَّفَقَ عَلِيٌّ ‏,‏ وَجَدُّ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كِلاَهُمَا قَالَ ‏:‏ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ عَبْدَهُ مُتَعَمِّدًا ‏,‏ فَجَلَدَهُ مِائَةً ‏,‏ وَنَفَاهُ سَنَةً ‏,‏ وَمَحَا سَهْمَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَلَمْ يُقِدْ مِنْهُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ مَا لَهُمْ شُبْهَةٌ غَيْرَ هَذَا إِلاَّ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ‏.‏ أَمَّا تَشْنِيعُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ‏}‏ الآيَةَ‏.‏ وَتَنْظِيرُهُمْ مَا يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَى الزَّانِي فَفَاسِدٌ جِدًّا وَتَحْرِيفٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ خَطَأٌ بَحْتٌ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ ‏:‏

أَوَّلُهَا أَنَّهُ قِيَاسٌ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏.‏

وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُسَوِّ قَطُّ بَيْنَ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي فِي الْحُكْمِ ‏,‏ وَإِنَّمَا سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي وَعِيدِ الآخِرَةِ فَقَطْ ‏,‏ وَلَيْسَتْ أَحْكَامُ الدُّنْيَا كَأَحْكَامِ الآخِرَةِ ‏,‏ لأََنَّ مَنْ تَابَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْوَعِيدُ فِي الآخِرَةِ ‏,‏ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ حُكْمُ الدُّنْيَا بِاتِّفَاقِهِمْ مَعَنَا‏.‏ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ حُكْمَ الزَّانِي يُرَاعِي الْإِحْصَانَ فِي ذَلِكَ وَعَدَمَ الْإِحْصَانِ ‏,‏ وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يُرَاعَى ذَلِكَ فِي الْقَتْلِ‏.‏ وَالرَّابِعُ أَنَّ حُكْمَ الزَّانِي إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِلاَ خِلاَفٍ مِمَّنْ يَعْتَدُّ بِهِ الْقَتْلُ بِالرَّجْمِ خَاصَّةً ‏,‏ وَلَيْسَ ذَلِكَ حُكْمَ الْقَاتِلِ إذَا اُسْتُقِيدَ مِنْهُ بِلاَ خِلاَفٍ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَتَلَ بِحَجَرٍ‏.‏ وَالْخَامِسُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الآيَةِ الَّتِي مَوَّهُوا بِإِيرَادِ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ ‏{‏وَاَلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ‏}‏ فَيَلْزَمُهُمْ إذَا سَاوَوْا بَيْنَ حُكْمِ الْقَاتِلِ وَالزَّانِي ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَهُمَا مَعًا فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنْ يُسَاوُوا أَيْضًا بَيْنَ الْكَافِرِ ‏,‏ وَالْقَاتِلِ ‏,‏ وَالزَّانِي ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ ذَكَرَهُمْ كُلَّهُمْ مَعًا ‏,‏ وَسَاوَى بَيْنَهُمْ فِي وَعِيدِ الآخِرَةِ إِلاَّ مَنْ تَابَ ‏,‏ فَيَلْزَمُهُمْ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ ‏,‏ وَالْمُرْتَدُّ ‏,‏ فَرَاجَعُ الإِسْلاَمِ أَنْ يُجْلَدَ مِائَةَ سَوْطٍ وَيُنْفَى سَنَةً ‏,‏ لأََنَّ الْقَتْلَ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا قَدْ سَقَطَ عَنْ الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ ‏,‏ وَعَنْ الزَّانِي غَيْرِ الْمَحْضِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ الْإِجْمَاعُ مَنَعَ ذَلِكَ‏.‏ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ فَقَدْ أَقْرَرْتُمْ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مَنَعَ مِنْ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ وَأَبْطَلَهُ‏.‏ فَظَهَرَ فَسَادُ كَلاَمِهِمْ هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فَفِي غَايَةِ الْبُطْلاَنِ وَالسُّقُوطِ ‏,‏ لأََنَّهُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا ، وَلاَ سِيَّمَا مَا رُوِيَ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ ‏,‏ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ‏.‏ ثُمَّ هُوَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرْوَةَ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلاَّ التَّعَلُّقُ بِ

مَا رُوِّينَا فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه

فَنَظَرْنَا فِيهِ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَنْ عُمَرَ أَبَدًا ‏,‏ لأََنَّهُ إمَّا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ ‏,‏

وَأَمَّا عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ ‏,‏ وَكِلاَهُمَا لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه بِدَهْرٍ طَوِيلٍ‏.‏

وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُهُ ‏,‏ وَإِذَا صَحَّ الْخِلاَفُ عَنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ ‏,‏ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ ‏,‏ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ فَكُلُّ قَوْلٍ عَرِيٍّ مِنْ الأَدِلَّةِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ ‏,‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏:‏ ‏{‏قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ‏}‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ بِالدِّيَةِ ‏,‏ أَوْ الْمُفَادَاةِ ‏,‏ أَوْ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ جَلْدًا ، وَلاَ نَفْيًا فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى نَصًّا لاَ خَفَاءَ بِهِ ‏:‏ أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلِ ‏,‏ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى مَالٍ ‏,‏ فَوَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ الْعَافِي أَنْ يَتْبَعَ الْقَاتِلَ الْمَعْفُوَّ عَنْهُ بِالْمَعْرُوفِ ‏,‏ وَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ مَا عُفِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ بِإِحْسَانٍ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ الضَّرْبُ بِالسِّيَاطِ ‏,‏ وَالنَّفْيُ عَنْ الأَوْطَانِ سَنَةً‏.‏ وَوَجَدْنَاهُمْ أَيْضًا يَذْكُرُونَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ

فَصَحَّ أَنَّ بَشَرَةَ الْقَاتِلِ مُحَرَّمَةٌ بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَحِلُّ جَلْدُهُ ‏,‏ وَلاَ نَفْيُهُ ‏;‏ إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ ‏,‏ وَلاَ سُنَّةٌ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ ‏,‏ وَلاَ دَلِيلٌ مِنْ الأَدِلَّةِ أَصْلاً وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ رَجُلاً فَأَقَادَ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ مِنْهُ ‏,‏ فَانْطَلَقَ بِهِ وَفِي عُنُقِهِ نِسْعَةٌ يَجُرُّهَا ‏,‏ فَلَمَّا أَدْبَرَ الرَّجُلُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَأَتَى رَجُلٌ إلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَهُ مَقَالَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّى عَنْهُ قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ ‏:‏ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ‏.‏ فَقَالَ ‏:‏ حَدَّثَنِي ابْنُ أَشْوَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ فَأَبَى ‏:‏ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ وَجَامِعِ بْنِ مَطَرٍ الْحَبَطِيِّ قَالَ عَوْفٌ ‏:‏ حَدَّثَنِي حَمْزَةُ الْعَائِذِيُّ أَبُو عُمَرَ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ جَامِعٌ ‏,‏ وَحَمْزَةُ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ وَائِلٍ قَالَ ‏:‏ شَهِدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ جِيءَ بِالْقَاتِلِ يَقُودُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ فِي نِسْعَتِهِ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَتَعْفُو عَنْهُ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ لَهُ ‏:‏ أَتَأْخُذُ الدِّيَةَ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَتَقْتُلُهُ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اذْهَبْ بِهِ‏.‏ فَلَمَّا تَوَلَّى مِنْ عِنْدِهِ دَعَاهُ قَالَ لَهُ ‏:‏ أَتَعْفُو عَنْهُ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ لَهُ ‏:‏ فَتَأْخُذُ الدِّيَةَ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَتَقْتُلُهُ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اذْهَبْ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ ‏:‏ أَمَا إنَّكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِ صَاحِبِكَ ‏,‏ فَعَفَا عَنْهُ وَتَرَكَهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ فَأَنَا رَأَيْتُهُ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ عَنْ حَدِيثٍ جَامِعٍ ‏:‏ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ ‏:‏ يَعْنِي ‏:‏ أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَهُوَ كَذَلِكَ ‏,‏ لأََنَّ حَمْزَةَ الْعَائِذِيَّ شَيْخٌ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ ‏,‏ وَلَمْ يُوَثِّقْهُ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ ‏;‏

وَأَمَّا جَامِعُ بْنُ مَطَرٍ فَقَالَ فِيهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِهِ وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا جَرَحَهُ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةُ ‏:‏ يَحْيَى ‏,‏ وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ ‏,‏ وَحَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْحَوْضِيُّ ‏,‏ وَغَيْرُهُمْ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْحَوْضِيُّ ، حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ مَطَرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ‏:‏ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عِنْدَهُ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فِي عُنُقِهِ نِسْعَةٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا وَأَخِي كَانَا فِي جُبٍّ يَحْفِرَانِهَا ‏,‏ فَرَفَعَ الْمِنْقَارَ فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ فَقَالَ ‏,‏ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُعْفُ عَنْهُ ‏,‏ فَأَبَى وَقَامَ فَقَالَ ‏:‏ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ هَذَا وَأَخِي كَانَا فِي بِئْرٍ يَحْفِرَانِهَا فَرَفَعَ الْمِنْقَارَ فَضَرَبَ بِهَا رَأْسَ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ قَالَ ‏:‏ اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى ‏,‏ ثُمَّ قَالَ فَقَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا وَأَخِي كَانَا فِي جُبٍّ يَحْفِرَانِهَا فَرَفَعَ الْمِنْقَارَ أُرَاهُ قَالَ ‏:‏ فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اذْهَبْ إنْ قَتَلْتَهُ كُنْتَ مِثْلَهُ ‏,‏ فَخَرَجَ بِهِ حَتَّى جَاوَزَ ‏,‏ فَنَادَيْنَاهُ ‏:‏ أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَعَ فَقَالَ ‏:‏ إنْ قَتَلْتُهُ كُنْتُ مِثْلَهُ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ اُعْفُ عَنْهُ ‏,‏ فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْنَا

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الْفَاخُورِيُّ ، حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً أَتَى بِقَاتِلِ وَلِيِّهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام ‏:‏ اُعْفُ عَنْهُ فَأَبَى ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ خُذْ الدِّيَةَ فَأَبَى ‏,‏ قَالَ ‏:‏ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ فَإِنَّكَ مِثْلُهُ ‏,‏ فَخَلَّى سَبِيلَهُ ‏,‏ فَمَرَّ الرَّجُلُ وَهُوَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا حَدِيثُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ ‏,‏ وَجَامِعِ بْنِ مَطَرٍ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ عَلْقَمَةَ ‏,‏ فَجَيِّدَانِ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِمَا وَفِي كِلَيْهِمَا إطْلاَقُ الْقَاتِلِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ ‏,‏ وَمَسِيرُهُ حَتَّى غَابَ عَنْهُمْ ‏,‏ وَخَفِيَ عَنْهُمْ ‏,‏ لاَ ضَرْبَ ، وَلاَ نَفْيَ‏.‏ فَصَحَّ قَوْلُ مَنْ رَأَى أَنْ لاَ جَلْدَ عَلَى الْقَاتِلِ ، وَلاَ نَفْيَ إذَا عُفِيَ عَنْهُ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏,‏ وَلاَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، خِلاَفٌ لَهُ أَصْلاً وَهَذَا مِمَّا يَسْتَشْنِعُهُ الْمَالِكِيُّونَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ ‏,‏ وَإِذَا خَالَفَهُ لَمْ يُبَالُوا بِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ بِذَلِكَ فِي الْقَسَامَةِ فَمَا عُرِفَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2077 - مسألة‏:‏ في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأخبار القاتل والمقتول في النار وإن قتلته كنت مثله

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَدْ أَيْقَنَّا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَقُولُ إِلاَّ الْحَقَّ الْمُتَيَقَّنَ ‏,‏ وَأَيْقَنَّا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَقْضِي بِبَاطِلٍ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ‏,‏ فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا طَلَبُ وَجْهِ حُكْمِهِ عليه الصلاة والسلام بِالْقَوَدِ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ ‏,‏ وَإِطْلاَقِهِ عَلَى الْقَتْلِ فِي ذَلِكَ ‏,‏ مَعَ قَوْلِهِ الصَّادِقِ وَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ مِثْلَهُ ‏,‏ وَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ فَإِنَّ لِلسَّائِلِ أَنْ يَقُولَ ‏:‏ كَيْفَ يَقْضِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوَدٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا‏.‏ وَإِذْ لاَ يَجُوزُ هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ فِي النَّارِ ‏,‏ وَمِثْلاً لِلْقَاتِلِ ‏,‏ مَنْ اسْتَقَادَ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ اقْتَصَّ بِالْحَقِّ

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا تَفْسِيرُ ابْنِ أَشْوَعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ الْعَفْوَ عَنْهُ فَأَبَى ‏,‏ فَإِنَّهُ تَفْسِيرٌ فَاسِدٌ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ ‏;‏ لأََنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَخْلُو فِي ذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ شَافِعًا فِي الْعَفْوِ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ آمِرًا بِالْعَفْوِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ شَافِعًا فَلَيْسَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ إسْعَافِ شَفَاعَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فَعَلَتْ بَرِيرَةُ إذْ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَيَّرَهَا فِي الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا أَوْ فِرَاقِهِ فَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ لَوْ رَاجَعْتِيهِ فَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِكِ‏.‏ فَقَالَتْ ‏:‏ أَتَأْمُرُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ‏:‏ لاَ ‏,‏ إنَّمَا أَنَا شَافِعٌ‏.‏ فَقَالَتْ ‏:‏ لاَ أَرْجِعُ إلَيْهِ أَبَدًا فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّ بَرِيرَةَ ، رضي الله عنها ، لَمْ تَكُنْ عَاصِيَةً بِذَلِكَ‏.‏ فَإِنْ كَانَ عليه الصلاة والسلام شَافِعًا فِي هَذَا الْقَاتِلِ ‏,‏ فَلَيْسَ الْمُمْتَنِعُ عَاصِيًا فَإِذْ لَيْسَ عَاصِيًا فَلَيْسَ فِي النَّارِ ‏,‏ وَلاَ هُوَ مِثْلُ الْقَاتِلِ الظَّالِمِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِرًا فَهُوَ بِيَقِينٍ لاَ يَأْمُرُ إِلاَّ بِوَاجِبٍ فَرْضٍ‏.‏ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَأْمُرَ عليه الصلاة والسلام بِشَيْءٍ وَيُطْلِقُ عَلَى خِلاَفِهِ ‏,‏ وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ خِلاَفُ أَمْرٍ وَهَذَا هُوَ الْقَضَاءُ بِالْبَاطِلِ ‏,‏ وَقَدْ أَبْعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ هُوَ أَمْرٌ عَلَى النَّدْبِ‏.‏

قلنا ‏:‏ لاَ رَاحَةَ لَكُمْ فِي هَذَا ‏,‏ لأََنَّ مَنْ تَرَكَ قَبُولَ الأَمْرِ بِالنَّدْبِ الَّذِي لَيْسَ فَرْضًا فَلَيْسَ فِي النَّارِ ‏,‏ وَلاَ هُوَ مِثْلُ الْقَاتِلِ الظَّالِمِ فَبَطَلَ تَفْسِيرُ ابْنِ أَشْوَعَ‏.‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْبُنَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ الرَّجُلَ قَالَ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَتَلَ أَخِي فَدَخَلَ النَّارَ ‏,‏ وَإِنْ قَتَلْتُهُ دَخَلْتُ النَّارَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ قَتَلَ أَخَاكَ فَدَخَلَ النَّارَ بِقَتْلِهِ إيَّاهُ ‏,‏ وَإِنِّي نَهَيْتُك عَنْ قَتْلِهِ ‏,‏ فَإِنْ قَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ بِمَعْصِيَتِكَ إيَّايَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَذَا مُرْسَلٌ ‏,‏ وَالْمُرْسَلُ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ ‏,‏ وَالْقَوْلُ فِي إبْطَالِهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ ، وَلاَ فَرْقَ وَبِهِ إلَى حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَعْنِي بِهَذَا الْخَبَرِ إنْ قَتَلْتَهُ فَأَنْتَ مِثْلُهُ ‏"‏ كَانَ يَرَى ذَلِكَ عَامًّا

وَكَذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ السَّلِيمِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ‏:‏ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إِلاَّ أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ‏.‏ قَالَ ‏:‏ فَلَوْ كَانَ هَذَا أَمْرَ فَرْضٍ وَإِيجَابٍ لَحَرُمَ الْقِصَاصُ جُمْلَةً وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ أَنَّهُ لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ ‏,‏ فَإِنْ كَانَ أَمْرَ نَدْبٍ فَلاَ يَدْخُلُ النَّارَ ‏,‏ وَلاَ يَكُونُ ظَالِمًا مَنْ تَرَكَ النَّدْبَ غَيْرَ رَاغِبٍ عَنْهُ ‏,‏ فَإِنْ تَرَكَهُ رَاغِبًا عَنْهُ فَهُوَ فَاسِقٌ وَرُبَّمَا كَفَرَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا عِنْدَنَا هُوَ مَا وَجَدْنَاهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ ‏,‏ وَأَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالاَ ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُفِعَ الْقَاتِلُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْمَقْتُولِ فَقَالَ الْقَاتِلُ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ ‏,‏ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ ‏:‏ أَمَا إنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا ثُمَّ قَتَلْتَهُ دَخَلْتَ النَّارَ ‏,‏ فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَكَانَ مَكْتُوفًا فَخَرَجَ يَجُرُّ نِسْعَتَهُ ‏,‏ فَسُمِّيَ ‏:‏ ذَا النِّسْعَةِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَذَا بَيَانُ الأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ ‏,‏ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّهُ حَكَمَ عليه الصلاة والسلام بِالْقَوَدِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا بِظَاهِرِ الْبَيِّنَةِ ‏,‏ أَوْ الْإِقْرَارِ التَّامِّ‏.‏ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُفْتَرَضُ عَلَى الْحُكَّامِ الْمُتَيَقَّنُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِهِ ‏,‏ وَلَمْ يُكَلِّفْهُمْ عِلْمَ الْغَيْبِ ‏,‏ فَحَكَمَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَلَمَّا قَالَ ‏:‏ إنِّي لَمْ أُرِدْ قَتْلَهُ وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا أَخْبَرَهُ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّهُ إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ وَهُوَ مِثْلُهُ ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُهُ حِينَئِذٍ ‏,‏ فَصَارَ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام حَقًّا ‏,‏ وَقَوْلُهُ حَقًّا‏.‏ كَمَا قَالَ أَيْضًا عليه الصلاة والسلام فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ ‏,‏ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ‏.‏ وَهُوَ عليه الصلاة والسلام فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ ‏,‏ أَوْ الْإِقْرَارِ ‏,‏ أَوْ الْيَمِينِ حَاكِمٌ بِالْحَقِّ الْمُتَيَقَّنِ لاَ بِالظَّنِّ ‏,‏ لَكِنْ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ، وَلاَ بُدَّ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ الْبَاطِنُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ مِمَّا لَوْ عَلِمَهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَنْفُذْهُ ‏,‏ وَلاَ تَرَكَهُ يَمْضِي أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

فإن قيل ‏:‏ هَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حُكْمِهِ عليه الصلاة والسلام وَقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ حُكْمِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ الْقَاتِلَ وَالْمَقْتُولَ فِي النَّارِ ‏,‏ وَأَنَّهُ مِثْلُهُ وَكَيْفَ يَكُونُ مَنْ قَتَلَ غَيْرَ مُرِيدٍ لِلْقَتْلِ فِي النَّارِ

قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ‏:‏ هَذَا إخْبَارٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْبٍ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ ‏,‏ لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام لاَ يَقُولُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ الْحَقَّ ‏,‏ وَلاَ يَقُولُ بِالظَّنِّ قَاصِدًا إلَى ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ هَذَا عَلَيْهِ وَنَسَبَهُ إلَيْهِ ‏:‏ فَهُوَ كَافِرٌ ‏,‏ فَنَقُولُ ‏:‏ إنَّ ذَلِكَ الْقَاتِلَ الَّذِي لَمْ يَعْمِدْ الْقَتْلَ كَانَ فَاسِقًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِعَمَلٍ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْقَتْلِ ‏,‏ أَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَاقِبَتِهِ فِيهِ ‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ دَمُهُ يَحِلُّ لِهَذَا الْمُسْتَقِيدِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ قَتْلَ أَخِيهِ ‏,‏ فَلَوْ قَتَلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَكَانَ قَاتِلاً بِغَيْرِ الْحَقِّ ‏,‏ وَلاَسْتَحَقَّ النَّارَ ‏,‏ وَلَكَانَ ظَالِمًا كَالْمَقْتُولِ ‏,‏ إذْ لَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2078 - مسألة‏:‏ من قتل في الزحام ‏,‏ أو لم يعرف من قتله ‏,‏ أو أصابه سهم ‏,‏ أو حجر ‏,‏ لا يدرى من رماه ‏,‏ أو هرب قاتله

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي الطَّوَافِ ‏,‏ فَاسْتَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ‏.‏

فَقَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ دِيَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ أَوْ فِي بَيْتِ الْمَالِ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ عُقْبَةَ ‏,‏ وَمُسْلِمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ سَمِعَاهُ مِنْ يَزِيدَ بْنِ مَذْكُورٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ النَّاسَ ازْدَحَمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ‏,‏ فَأَفْرَجُوا عَنْ قَتِيلٍ ‏,‏ فَوَدَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ‏.‏ حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ إنْ رَجُلٌ قُتِلَ فِي الْكَعْبَةِ فَسَأَلَ عُمَرُ عَلِيًّا ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَعْنِي دِيَتَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي رَجُلَيْنِ مَاتَا فِي الزِّحَامِ ‏:‏ أَنْ يُودَيَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ‏,‏ فَإِنَّمَا قَتَلَهُ يَدٌ ‏,‏ أَوْ رِجْلٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَيْضًا ‏,‏ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ غَيْرُ هَذَا ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ‏:‏ مَنْ قُتِلَ فِي زِحَامٍ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى النَّاسِ مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ فِي جُمُعَةٍ ‏,‏ أَوْ غَيْرِهَا

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا تَحْتَجُّ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْقَوْلِ الأَوَّلِ يَحْتَجُّونَ بِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ كِتَابٍ لِعُمَرَ بْنِ الْعَزِيزِ قَالَ ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ أَضْحَى ‏,‏ أَوْ يَوْمَ فِطْرٍ ‏,‏ فَإِنَّ دِيَتَهُ عَلَى النَّاسِ جَمَاعَةً‏.‏ لأََنَّهُ لاَ يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ وَهَذَا خَبَرٌ مُرْسَلٌ ‏,‏ وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ‏.‏ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ ‏:‏ إنَّ مَنْ ضُغِطَ فِي زِحَامٍ حَتَّى مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّغْطِ فَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ تِلْكَ بِعَيْنِهَا كُلَّهُمْ قَتَلَهُ ‏,‏ إذْ كُلُّهُمْ تَضَاغَطُوا حَتَّى مَاتَ مِنْ ضَغْطِهِمْ ‏,‏ فَإِذْ قَدْ عُرِفَ قَاتِلُوهُ فَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ بِلاَ شَكٍّ ‏,‏ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَلَيْهِمْ ‏,‏ وَإِنْ جَهِلُوهُ فَهُمْ غَارِمُونَ حَيْثُ كَانُوا ‏,‏ وَحَقُّ الْغَارِمِينَ وَاجِبٌ فِي صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ وَفِي سَائِرِ الأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ لِجَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ‏.‏ وَإِنْ كَانَ مَاتَ مِنْ أَمْرٍ لاَ يُدْرَى مَنْ أَصَابَهُ فَدِيَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى جَمِيعِ الأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ لأََنَّ مُصِيبَهُ غَارِمٌ ‏,‏ أَوْ عَاقِلَتِهِ ‏,‏ وَلاَ بُدَّ‏.‏ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ وَإِنْ كَانَ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ بِإِرْسَالِهِ لَكِنْ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَقَدْ حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ ‏:‏ قَضَى هِشَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي قَوْمٍ كَانُوا فِي مَاءٍ فَتَمَاقَلُوا فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي الْمَاءِ ‏,‏ فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ ‏,‏ وَثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ ‏,‏ فَقَضَى بِدِيَتِهِ عَلَى جَمِيعِهِمْ‏.‏

حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْمٍ تَنَاضَلُوا فَأَصَابُوا إنْسَانًا ‏,‏ لاَ يُدْرَى أَيُّهُمْ أَصَابَهُ‏.‏ قَالَ ‏:‏ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَضَى فِي سِتَّةِ غِلْمَةٍ كَانُوا يَتَغَاطُّونَ فِي النَّهْرِ فَغَرِقَ أَحَدُهُمْ ‏,‏ فَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ ‏,‏ وَشَهِدَ ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ فَجَعَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلاَثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ عَلَى الاِثْنَيْنِ ‏,‏ وَخُمْسَيَّ الدِّيَةِ عَلَى الثَّلاَثَةِ

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَلاَ تَصِحُّ ‏,‏ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ جَمِيعُ الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا مُخَالِفِينَ لِحُكْمِهِ فِيهَا‏.‏

وَأَمَّا الْقَوْلُ عِنْدَنَا فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الأَمْوَالَ إِلاَّ بِيَقِينِ الْحَقِّ ‏,‏ لقوله تعالى ‏{‏وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ‏}

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَصِحُّ قَضَاءٌ بِدِيَةٍ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ حَيْثُ أَوْجَبَهَا نَصٌّ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ فَإِذَا مَاتَ إنْسَانٌ فِي تَغَاطٍّ ‏,‏ أَوْ نِضَالٍ ‏,‏ أَوْ فِي وَجْهِ مَاءٍ ‏,‏ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يَغْرَمَ مَنْ حَضَرَ شَيْئًا مِنْ دِيَتِهِ ‏,‏ وَلاَ عَوَاقِلُهُمْ ‏,‏ لأََنَّنَا لاَ نَدْرِي أَجَمِيعُهُمْ قَتَلَهُ أَمْ بَعْضُهُمْ وَإِذْ لاَ نَدْرِي مَنْ الْقَاتِلُ لَهُ ‏,‏ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ وَبَيْنَ الْعَابِرِينَ عَلَى السَّبِيلِ ‏,‏ وَإِلْزَامُهُمْ دِيَتَهُ ‏,‏ أَوْ عَوَاقِلُهُمْ ظُلْمٌ لاَ شَكَّ ‏,‏ بَلْ نُوقِنُ أَنَّ جَمِيعَهُمْ لَمْ يَقْتُلْهُ ‏,‏ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ إلْزَامَ جَمِيعِهِمْ الدِّيَةَ ظُلْمٌ لاَ شَكَّ فِيهِ فَحَقُّ هَذَا أَنْ يُؤَدِّيَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ ‏,‏ أَوْ مِنْ الأَمْوَالِ الْمَوْقُوفَةِ لِمَصَالِحِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ دِيَتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ‏}‏ فَلاَ بُدَّ مِنْ دِيَةٍ مُسَلَّمَةٍ إلَى أَهْلِهِ‏.‏ وَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ‏"‏ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ ‏"‏ أَوْ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام‏.‏ فَالْعَقْلُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ‏;‏ ، وَلاَ يَخْلُو قَتِيلٌ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَهَكَذَا مَنْ أَصَابَهُ حَجَرٌ لاَ يُدْرَى مَنْ رَمَاهُ ‏,‏ أَوْ سَهْمٌ كَذَلِكَ ، وَلاَ فَرْقَ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً خَرَجَ إلَيْهِ عَدُوٌّ فِي طَرِيقٍ فَقَتَلَهُ ‏,‏ وَجَمَاعَةٌ ثِقَاتٌ يَنْظُرُونَ إلَى ذَلِكَ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الْقَاتِلَ مَنْ هُوَ فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَاتِلُ هَرَبَ وَصَارَ خَلْفَ رَبْوَةٍ ‏,‏ أَوْ فِي بَيْتٍ ‏,‏ أَوْ فِي خَانٍ ‏,‏ فَاتَّبَعَتْهُ الْجَمَاعَةُ فَوَجَدُوا خَلْفَ الرَّابِيَةِ أَوْ الْخَانِ أَوْ الْبَيْتِ ‏:‏ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ ‏,‏ أَوْ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ‏,‏ فِيهِمْ ثِقَاتٌ وَغَيْرُ ثِقَاتٍ ‏,‏ فَسَأَلُوهُمْ ‏:‏ مَنْ دَخَلَ عِنْدَكُمْ السَّاعَةَ فَقَالَ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ‏:‏ لاَ نَدْرِي ‏,‏ كُلُّ امْرِئٍ مِنَّا مَشْغُولٌ بِأَمْرِهِ‏.‏

فأما الْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ ‏:‏ يُقْذَفُ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْخَانِ ‏,‏ وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ ‏,‏ وَكُلُّ مَنْ كَانَ خَلْفَ الرَّابِيَةِ فِي السِّجْنِ الدَّهْرَ الطَّوِيلَ ‏,‏ حَتَّى يَكُونَ مَوْتُهُمْ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ الْحَيَاةِ وَهَذَا ظُلْمٌ عَظِيمٌ مُتَيَقَّنٌ ‏,‏ وَخَطَأٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ ‏;‏ لأََنَّهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مَظْلُومُونَ إِلاَّ وَاحِدًا ‏,‏ فَقَدْ أَقْدَمُوا عَلَى ظُلْمِ أَلْفِ إنْسَانٍ بِيَقِينٍ ‏,‏ وَهُمْ يَدْرُونَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ لَهُمْ خَوْفَ أَنْ يُفْلِتَ ظَالِمٌ وَاحِدٌ لاَ يَعْرِفُونَهُ بِعَيْنِهِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يَقْصِدَ إلَى أَهْلِ كُلِّ سُوقٍ فَيَقْذِفَهُمْ فِي الْحَبْسِ ‏,‏ لأََنَّنَا نَدْرِي أَنَّ فِيهِمْ آكِلَ رِبًا بِيَقِينٍ ‏,‏ وَشَارِبَ خَمْرٍ بِيَقِينٍ‏.‏

وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ فِي قَتِيلٍ وُجِدَ فِي مَدِينَةٍ أَوْ جَزِيرَةٍ أَنْ يَسْجُنُوا جَمِيعَ أَهْلِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ ‏,‏ وَأَهْلَ الْجَزِيرَةِ ‏,‏ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا أَفْحَشَ تَنَاقُضٍ‏.‏ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَبْطَلَ هَذَا الْحُكْمَ الْفَاسِدَ بِفِعْلِهِ فِي أَهْلِ خَيْبَرَ ‏,‏ إذْ قُتِلَ فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ رضي الله عنه فَمَا سُجِنَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ‏,‏ بَلْ قَنَعَ مِنْهُمْ بِالأَيْمَانِ فَقَطْ عَلَى مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ أَوْ بِأَيْمَانِهِمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَيُبْطِلُ هَذَا أَيْضًا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏إنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ‏}

وَقَوْله تَعَالَى ‏{‏إنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا‏}‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ الْإِقْدَامُ عَلَى أَحَدٍ بِالظَّنِّ ‏,‏ فَكَيْفَ وَهُمْ هَاهُنَا قَدْ أَقْدَمُوا بِالْجَوْرِ الْمَحْضِ وَالظُّلْمِ الْمُتَيَقَّنِ‏.‏ وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا أَنْ لاَ يُسْجَنَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ‏,‏ لَكِنْ مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ حَلَفَ الْمُدَّعُونَ عَلَى حُكْمِ الْقَسَامَةِ ‏,‏ فَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ هُوَ يَمِينًا وَاحِدَةً‏.‏

وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعُوا عَلَى جَمَاعَةٍ بِأَعْيَانِهِمْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيَبْرَأُ ‏,‏ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ لَوْ أُعْطِي النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ وُجِدَ فِي دَارِ قَوْمٍ أَيْضًا حُكِمَ هُنَالِكَ بِحُكْمِ الْقَسَامَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2079 - مسألة‏:‏ فيمن أمر آخر بقطع يده أو بقتل ولده ‏,‏ أو عبده أو بقتله نفسه

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ ‏:‏ إنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَبْدٍ ‏:‏ اقْطَعْ أُذُنِي وَأَنْتَ شَرِيكِي فِي الدِّيَةِ فَفَعَلَ‏.‏ فَاخْتَصَمُوا إلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى قَوْلِهِ فَأَبْطَلَ دِيَتَهُ ‏;‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ إنْ أَرَادَهَا وَلِيُّ الْمَقْتُولِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا كَذَلِكَ دِيَةَ الأَصَابِعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ‏.‏ وَحَرَّمَ اللَّهُ طَاعَةَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا كُلَّ ذَلِكَ بِإِسْنَادِهِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ دِيوَانِنَا‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ ، وَلاَ طَاعَةَ

وبه إلى مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرَ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ

قال أبو محمد ‏:‏ فَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ مَنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ أَنْ يَأْتَمِرَ لَهَا ‏,‏ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ فَاسِقٌ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ بِذَلِكَ عُذْرٌ‏.‏

وَكَذَلِكَ الآمِرُ فِي نَفْسِهِ بِمَا لَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ ، وَلاَ عُذْرَ لِلْمَأْمُورِ فِي طَاعَتِهِ ‏,‏ بَلْ الآمِرُ وَاَلَّذِي يُؤْمَرُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَالْوَاجِبُ أَنْ يَجِبَ لِلآمِرِ إنْسَانًا بِقَطْعِ يَدِ الآمِرِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ‏,‏ أَوْ بِقَتْلِ عَبْدِهِ ‏,‏ أَوْ بِقَتْلِ ابْنِهِ ‏,‏ مَا يَجِبُ لَهُ لَوْ لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ مِنْ الْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ ‏,‏ لأََنَّ وُجُودَ أَمْرِهِ بِذَلِكَ بَاطِلٌ لاَ حُكْمَ لَهُ فِي الْإِبَاحَةِ أَصْلاً

وَكَذَلِكَ مَنْ أَبَاحَ لأَخَرَ أَنْ يَقْتُلَهُ فَفَعَلَ فَلأََوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ‏.‏ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ ‏:‏ مَنْ أَمَرَ آخَرَ بِقَتْلِ عَبْدِهِ فَقَتَلَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمَأْمُورِ‏.‏

وقال الشافعي ‏:‏ مَنْ أَمَرَ آخَرَ بِقَطْعِ يَدِ الآمِرِ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ‏.‏

قال علي ‏:‏ وهذانِ الْقَوْلاَنِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لِمَا ذَكَرْنَا ‏,‏ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ أَمَرَ إنْسَانًا بِأَنْ يَزْنِيَ بِأَمَةِ نَفْسِهِ فَفَعَلَ أَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهِ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا ‏:‏ إنَّ لَهُ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ ‏,‏ وَقَتْلِ أَبِيهِ ‏,‏ وَغُلاَمِهِ ‏:‏ أَنْ يَعْفُوَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بَعْدَ الزِّنَى بِأَمَتِهِ قِيلَ لَهُمْ ‏:‏ إنَّ وَقْتَ الْعَفْوِ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ ‏,‏ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ ‏,‏ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ ‏:‏ مَنْ قَتَلَ ابْنَ عَمِّي فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ فَقَتَلَهُ قَاتِلٌ ‏,‏ فَإِنَّ لَهُ الْقَوَدَ ‏,‏ فَبَطَلَ تَنْظِيرُهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2080- مسألة‏:‏ في قول الله تعالى ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ ‏,‏ قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ مَنْ قَرَأَ ‏:‏ ‏{‏وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏ بِالرَّفْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ‏,‏ لاَ بِالْعَطْفِ عَلَى النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ‏,‏ فَهُوَ حُكْمٌ ثَابِتٌ عَلَيْنَا لاَزِمٌ لَنَا ‏,‏ وَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ فِي كُلِّ ذَلِكَ ‏,‏ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِ التَّوْرَاةِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ حَقٌّ مَشْهُورٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ‏,‏ فَكِلاَ الْمَعْنَيَيْنِ حَقٌّ ‏,‏ فَكَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ‏.‏ كُلُّ ذَلِكَ أَيْضًا مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا بِحَقٍّ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَوَاجِبٌ أَنْ يُنْظَرَ فِي مَعْنَى قوله تعالى ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ ‏,‏ فَوَجَدْنَا مَا ناه حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ الْمُرَادِيُّ ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي قوله تعالى ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ قَالَ ‏:‏ هُدِمَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِ الْمَجْرُوحِ الْمُتَصَدِّقِ بِحَقِّهِ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قوله تعالى ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ قَالَ ‏:‏ لِلْمَجْرُوحِ‏.‏ وَبِهِ ‏:‏ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ قَالَ ‏:‏ لِلْمَجْرُوحِ ‏,‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ‏,‏ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قوله تعالى ‏{‏فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ قَالَ ‏:‏ لِلْمَجْرُوحِ ‏,‏ وَأَجْرُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ ‏:‏ لِلْمَجْرُوحِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قوله تعالى ‏{‏فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ وَأَجْرُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى اللَّهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ ‏:‏ إنْ عَفَا عَنْهُ ‏,‏ أَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ ‏,‏ أَوْ قَبِلَ مِنْهُ الدِّيَةَ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ‏,‏ ، وَوَكِيعٌ ‏,‏ قَالَ وَكِيعٌ ‏:‏ عَنْ سُفْيَانَ ‏,‏ ثُمَّ اتَّفَقَ جَرِيرٌ ‏,‏ وَسُفْيَانُ كِلاَهُمَا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ ‏:‏ كَفَّارَةٌ لِلَّذِي تَصَدَّقَ عَلَيْهِ ‏,‏ وَأَجْرُ الَّذِي أُصِيبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَفْعَلَ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إذْ يَقُولُ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ الآيَةَ فَفَعَلْنَا ‏,‏ فَوَجَدْنَا نَصَّ قوله تعالى ‏{‏فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏}‏ جَاءَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ‏.‏ كَمَا قَالَ تَعَالَى ‏{‏بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ‏}‏‏.‏ وَوَجَدْنَا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الضَّمِيرَ رَاجِعًا ، وَلاَ بُدَّ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ إِلاَّ بِدَلِيلٍ‏.‏ وَوَجَدْنَا أَقْرَبَ مَذْكُورٍ إلَى فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ الضَّمِيرَ الَّذِي فِي تَصَدَّقَ بِهِ وَهُوَ ضَمِيرُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْمُتَصَدِّقِ ‏,‏ فَلاَ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ هَذَا إِلاَّ بِدَلِيلٍ ‏,‏ وَلاَ دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْجَانِيَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَإِنْ غَفَرَ لَهُ ‏,‏ وَتَصَدَّقَ بِحَقِّهِ عَلَيْهِ ‏,‏ فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ ‏,‏ وَمُكَفَّرٌ عَنْهُ ‏,‏ لأََنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ قِبَلَهُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَغْفِرْ لَهُ ‏,‏ وَلَكِنَّهُ أَخَّرَ طَلَبَهُ إلَى الآخِرَةِ ‏,‏ وَأَسْقَطَهُ فِي الدُّنْيَا ‏,‏ فَبِلاَ شَكٍّ نَدْرِي أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ لَهُ قِبَلَهُ ‏,‏ وَأَنَّهُ سَيَقْتَصُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حَسَنَاتِهِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ آخَرَ فَعَلَيْهِ حَقَّانِ ‏:‏ حَقُّ الْمَقْتُولِ فِي ظُلْمِهِ إيَّاهُ ‏,‏ وَحَقُّ الْوَلِيِّ فِي أَخْذِ الْقَوَدِ فَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ فَإِنَّمَا عَفَا عَنْ حَقِّ نَفْسِهِ ‏,‏ وَلاَ عَفْوَ لَهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَهُوَ لِمَقْتُولٍ فَحَقُّ الْمَقْتُولِ بَاقٍ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ ‏,‏ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا‏}‏ وَكَمَا أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ‏,‏ وَابْنُ حَجَرٍ ‏,‏ قَالاَ جَمِيعًا ‏:‏ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَتَدْرُونَ مَنْ الْمُفْلِسُ قَالُوا ‏:‏ الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ ، وَلاَ مَتَاعَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ إنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ‏,‏ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ‏,‏ لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏,‏ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنْ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ ‏"‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ‏.‏

وبه إلى الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ‏"‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ لأََخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ ، وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأََخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ‏,‏ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاََحَدُهُمْ أَهْدَى إلَى مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏

وَأَمَّا إذَا قُتِلَ قَوَدًا فَقَدْ انْتَصَفَ مِنْهُ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2081 - مسألة‏:‏ في امرأة نامت بقرب ابنها أو غيره فوجد ميتا

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي امْرَأَةٍ شَرِبَتْ دَوَاءً فَأَلْقَتْ وَلَدَهَا قَالَ ‏:‏ تُكَفِّرُ‏.‏ وَقَالَ فِي امْرَأَةٍ أَنَامَتْ صَبِيَّهَا إلَى جَنْبِهَا فَطَرَحَتْ عَلَيْهِ ثَوْبًا فَأَصْبَحَتْ وَقَدْ مَاتَ قَالَ ‏:‏ أَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ تُكَفِّرَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ عَنْ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ قَالَ فِي امْرَأَةٍ غَطَّتْ وَجْهَ صَبِيٍّ لَهَا فَمَاتَ فِي نَوْمِهِ فَقَالَ ‏:‏ تُعْتِقُ رَقَبَةً‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ إنْ مَاتَ مِنْ فِعْلِهَا مِثْلَ أَنْ تَجُرَّ اللِّحَافَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ يَنَامَ فَيَنْقَلِبَ فَيَمُوتَ غَمًّا ‏,‏ أَوْ وَقَعَ ذِرَاعُهَا عَلَى فَمِهِ ‏,‏ أَوْ وَقَعَ ثَدْيُهَا عَلَى فَمِهِ ‏,‏ أَوْ رَقَدَتْ عَلَيْهِ وَهِيَ لاَ تَشْعُرُ فَلاَ شَكَّ أَنَّهَا قَاتِلَتُهُ خَطَأً فَعَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ ‏,‏ وَعَلَى عَاقِلَتِهَا الدِّيَةُ ‏,‏ أَوْ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ‏,‏ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَمُتْ مِنْ فِعْلِهَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ ‏,‏ أَوْ لاَ دِيَةَ أَصْلاً ‏,‏ فَإِنْ شَكَّتْ أَمَاتَ مِنْ فِعْلِهَا أَمْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا فَلاَ دِيَةَ فِي ذَلِكَ ‏,‏ وَلاَ كَفَّارَةَ ‏,‏ لأََنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ بَرَاءَتِهَا مِنْ دَمِهِ ‏,‏ ثُمَّ عَلَى شَكٍّ أَمَاتَ مِنْ فِعْلِهَا أَمْ لاَ وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ إِلاَّ بِيَقِينٍ ‏,‏ وَالْكَفَّارَةُ إيجَابُ شَرْعٍ ‏,‏ وَالشَّرْعُ لاَ يَجِبُ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُلْزَمَ غَرَامَةً ‏,‏ وَلاَ صِيَامًا ‏,‏ وَلاَ أَنْ تُلْزَمَ عَاقِلَتُهَا دِيَةً بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

2082 - مسألة‏:‏ هل بين الأجير ومستأجره قصاص

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ ‏:‏ لَيْسَ بَيْنَ الأَجِيرِ وَمُسْتَأْجِرِهِ قِصَاصٌ إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى فَيَجِبُ الْعَقْلُ بَعْدَ الْقَسَامَةِ وَهَذَا خَطَأٌ ‏,‏ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَغَيْرِهِ ‏,‏ وَلَيْسَ إِلاَّ خَطَأٌ أَوْ عَمْدٌ ‏,‏ فَلاَ شَيْءَ فِي الْخَطَأِ إِلاَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّفْسِ‏.‏

وَأَمَّا الْعَمْدُ فَفِيهِ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ الأَجِيرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ ‏,‏ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

2083- مسألة‏:‏ في ميراث الدية

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي كَيْفَ تُوَرَّثُ الدِّيَةُ‏.‏ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الدِّيَةُ لِلْعَصَبَةِ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ هِيَ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْعَبْدِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ ‏:‏ تُقَسَّمُ الدِّيَةُ عَلَى مَا يُقَسَّمُ عَلَيْهِ الْمِيرَاثُ‏.‏ وَبِهِ إلَى قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمَّارٍ عَمَّنْ سَمِعَ عَلِيًّا يَقُولُ ‏:‏ لَقَدْ ظَلَمَ مَنْ مَنَعَ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ نَصِيبَهُمْ مِنْ الدِّيَةِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ كُلُّ وَارِثٍ ‏,‏ وَالزَّوْجُ ‏,‏ وَالزَّوْجَةُ ‏,‏ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ‏.‏ وَبِهِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا فَيَعْفُو بَعْضُ الْوَرَثَةِ قَالَ ‏:‏ لأَمْرَأَتِهِ مِيرَاثُهَا مِنْ الدِّيَةِ‏.‏ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ ‏:‏ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دَمِ زَوْجِهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ‏:‏ إذَا قُبِلَ الْعَقْلُ فِي الْعَمْدِ كَانَ مِيرَاثًا تَرِثُهُ الزَّوْجَةُ وَغَيْرُهَا‏.‏ وَعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّثُ أَنَّ الدِّيَةَ سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْمِيرَاثِ‏.‏ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ ‏:‏ الدِّيَةُ لِلْمِيرَاثِ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ قُلْت لِعَطَاءٍ ‏:‏ الْعَقْلُ كَهَيْئَةِ الْمِيرَاثِ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ ‏,‏ قُلْت ‏:‏ وَتَرِثُ الْإِخْوَةُ مِنْ الْأُمِّ مِنْهُ قَالَ ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي الْإِخْوَةِ مِنْ الْأُمِّ يَرِثُونَ فِي الدِّيَةِ ‏,‏ وَكُلُّ وَارِثٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي كَمَا حَدَّثَنَا حمام ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ‏:‏ مَا أَرَى الدِّيَةَ إِلاَّ لِلْعَصَبَةِ ‏,‏ لأََنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ ‏,‏ فَهَلْ سَمِعَ أَحَدٌ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلاَبِيُّ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الأَعْرَابِ ‏:‏ كَتَبَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَأَخَذَ عُمَرُ بِذَلِكَ‏.‏ وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنْ الْأُمِّ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ لِنَعْلَمَ حُجَّةَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَنَتَّبِعَ الْحَقَّ حَيْثُ كَانَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ فَوَجَدْنَا حُجَّةَ مَنْ قَالَ ‏:‏ لاَ يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ إِلاَّ الْعَصَبَةُ ‏:‏ أَنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَالَ ‏:‏ سَمِعْت أَبَا شُرَيْحٍ الْكَعْبِيَّ يَقُولُ ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ ‏,‏ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ ‏:‏ فَوَجَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ‏,‏ لأََنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الدِّيَةَ لِمَنْ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيدَ ‏,‏ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ أَهْلُهُ وَالْإِخْوَةُ لِلْأُمِّ وَالزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ يَقَعُ عَلَيْهِمْ اسْمُ ‏"‏ أَهْلٍ ‏"‏ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ‏"‏ بَابِ مَنْ لَهُ عَنْ الْقَوَدِ الْعَفْوُ أَوْ الْقِصَاصُ ‏"‏‏.‏ وَقَدْ صَحَّ النَّصُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلاَفِ مَا قُلْتُمْ ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ ‏,‏ أَوْ أَمَةٍ ‏,‏ غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ ‏,‏ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا ، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْمِيرَاثِ لِغَيْرِ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ بِيَقِينٍ‏.‏ وَقَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ بِأَنَّ الدِّيَةَ لأََهْلِ الْمَقْتُولِ مُسَلَّمَةٌ ، وَأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ لأََهْلِ الْمَقْتُولِ وَاجِبَةٌ لَهُمْ إنْ أَرَادُوا أَخْذَهَا وَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْقَتْلِ نَوْعٌ إِلاَّ عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ‏.‏

فَصَحَّتْ الدِّيَةُ بِيَقِينٍ لأََهْلِ الْمَقْتُولِ وَالزَّوْجَةُ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا الْأُوَيْسِيُّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ‏,‏ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ ‏,‏ وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ ‏,‏ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ حِين قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا ‏,‏ قَالَتْ ‏:‏ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ‏,‏ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْأَلُهُمَا ‏,‏ وَهُوَ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ‏.‏

فأما أُسَامَةُ فَأَشَارَ بِاَلَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ‏.‏

وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ ‏:‏ لَمْ يُضَيِّقْ اللَّهُ عَلَيْكَ ‏,‏ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ ‏,‏ وَاسْأَلْ الْجَارِيَةَ تَصْدُقُكَ ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قَالَتْ ‏:‏ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا ‏,‏ فَتَأْتِي الدَّاجِنَ فَتَأْكُلُهُ‏.‏ فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ ‏:‏ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَأَنَّهُ مَا عَلِمْتُ مِنْ أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ قَالَ ‏:‏ لَمَّا أُخْبِرَتْ عَائِشَةُ بِالأَمْرِ ‏,‏ قَالَتْ ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَنْطَلِقَ إلَى أَهْلِي فَأَذِنَ لَهَا وَأَرْسَلَ مَعَهَا الْغُلاَمَ‏.‏ فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمَّى زَوْجَتَهُ ‏"‏ أَهْلاً ‏"‏ وَأَخْبَرَ أَنَّهَا ‏"‏ أَهْلُهُ ‏"‏‏.‏ وَقَدْ قَالَتْ لَهُ بَرِيرَةُ ‏:‏ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ ‏"‏ أَهْلِهَا ‏"‏‏.‏ وَبِلاَ شَكٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْعَجِينِ نَصِيبٌ فَهُوَ عليه الصلاة والسلام ‏"‏ أَهْلُهَا ‏"‏ أَيْضًا‏.‏ وَقَدْ أَسْتَأْذَنَتْهُ فِي الأَنْطِلاَقِ إلَى ‏"‏ أَهْلِهَا ‏"‏ وَقَدْ كَانَ لَهَا أَخٌ لأَُمٍّ مَعْرُوفٌ

فَصَحَّ أَنَّ هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ دَاخِلُونَ فِي ‏"‏ الأَهْلِ ‏"‏‏.‏ فَإِذْ الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ ‏,‏ وَنَصِّ السُّنَّةِ لِلأَهْلِ ‏,‏ وَالزَّوْجَةِ ‏,‏ وَالزَّوْجِ ‏,‏ وَالْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ ‏"‏ أَهْلٌ ‏"‏ فَحَظُّهُمْ فِي الدِّيَةِ وَاجِبٌ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ ‏,‏

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ الدِّيَةَ مَوْرُوثَةٌ عَلَى حَسَبِ الْمَوَارِيثِ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ ‏,‏ وَعَلَى هَذَا اعْتِمَادُنَا فِي تَوْرِيثِ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الدِّيَةِ‏.‏

وَأَمَّا الأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا فَوَاهِيَةٌ لاَ تَصِحُّ ‏,‏ وَأَحْسَنُ مَا فِيهَا حَدِيثُ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الضَّبَابِيِّ الْكِلاَبِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً نَذَرَ نَذْرًا لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّ مَا وَرِثَ عَنْ فُلاَنٍ ثُمَّ قُتِلَ ذَلِكَ الْفُلاَنُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ دِيَتِهِ فِي الْعَمْدِ ‏,‏ وَالْخَطَأِ ‏,‏ لأََنَّهُ لَمْ يَرِثْهُ عَنْهُ‏.‏

2084 - مسألة‏:‏ في ذكر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المقتتلين أن يحتجزوا

حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي حِصْنٌ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏:‏ وَعَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يُحْتَجَزُوا الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَمَاجَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْخَبَرِ وَحَكَى أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّحَاوِيَّ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْخَبَرِ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ‏,‏ وَأَحْمَدَ بْنَ أَبِي عِمْرَانَ وَإِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيّ‏.‏

فأما مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ وَاعْتَرَفَ لَهُ بِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا مَعْنَاهُ‏.‏

وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ هَذَا يَخْرُجُ مِنْهُ جَوَازُ عَفْوِ النِّسَاءِ عَنْ الدَّمِ‏.‏

وَأَمَّا الْمُزَنِيّ فَقَالَ لَهُ ‏:‏ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فِي غَيْرِ الْحَقِّ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ أَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَأَحْسَنَ ‏,‏ إذْ سَكَتَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ وَجْهُهُ‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ أَبِي عِمْرَانَ فَقَالَ قَوْلاً فَاسِدًا ‏,‏ لأََنَّهُ لاَ يَفْهَمُ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِ قَائِلٍ ‏"‏ عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يُحْتَجَزُوا الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً ‏"‏ أَنَّهُ يَجُوزُ عَفْوُ النِّسَاءِ مِنْ الدَّمِ أَوْ لاَ يَجُوزُ ‏,‏ وَهَذَا سَمِجٌ جِدًّا ‏,‏ وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا شَاءَ مَا شَاءَ إذَا لَمْ يَحْجِزْهُ وَرَعٌ أَوْ حَيَاءٌ

وَأَمَّا الْمُزَنِيّ فَإِنَّهُ قَالَ الْكَلاَمَ الصَّحِيحَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ ‏,‏ وَهُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَمَفْهُومُهُ الَّذِي لاَ يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ ‏,‏ وَهُوَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُقْتَتِلِينَ أَنْ يَنْحَجِزَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلاَ يَقْتَتِلُونَ ‏,‏ وَأَنْ يَبْدَأَ بِالأَنْحِجَازِ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ ‏,‏ لأََنَّ الأَوَّلِينَ مِنْ الْمُقْتَتِلِينَ هُمْ الْمُتَصَادِمُونَ قَبْلَ الَّذِينَ مَنْ خَلْفَهُمْ فَغَرَضُ الأَنْحِجَازِ وَاقِعٌ عَلَى الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ مِنْ الْمُقْتَتِلِينَ وَلَوْ أَنَّهُ امْرَأَةٌ لأََنَّ الْقِتَالَ فِيمَا بَيْنَنَا مُحَرَّمٌ‏.‏ هَذَا عَلَى أَنَّ الْخَبَرَ لاَ يَصِحُّ ‏,‏ وَحِصْنٌ ‏:‏ مَجْهُولٌ‏.‏

2085 - مسألة‏:‏ فيمن له العفو عن الدم ومن لا عفو له

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ الْعَفْوُ جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ يَرِثُ ‏,‏ وَلِلزَّوْجَةِ ‏,‏ وَالزَّوْجِ ‏,‏ وَغَيْرِهِمَا ‏,‏ فَإِنْ عَفَا أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَقَدْ حُرِّمَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ‏.‏ وَقَالَ آخَرُونَ ‏:‏ الْعَفْوُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ ‏:‏ مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ فَذَلِكَ لَهُ ‏,‏ وَلاَ يُلْتَفَتُ إلَى مَنْ أَرَادَ الدِّيَةَ أَوْ الْعَفْوَ ‏,‏ مَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ذَلِكَ‏.‏ فَالْقَوْلُ الأَوَّلُ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَهَا إخْوَةٌ فَعَفَا أَحَدُهُمْ فَأَجَازَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَرَفَعَ عَنْ الْقَاتِلِ نَصِيبَ الَّذِي عَفَا وَغَرَّمَهُ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَعْفُ‏.‏ قَالَ سَعِيدٌ ‏:‏ وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ‏,‏ وَأَبُو عَوَانَةَ ‏,‏ كِلاَهُمَا عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ بِمِثْلِهِ‏.‏

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ ‏:‏ رَأَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَقَتَلَهَا فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ فَوَهَبَ بَعْضُ إخْوَتِهَا نَصِيبَهُ لَهُ ‏,‏ فَأَمَرَ عُمَرُ سَائِرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً مُتَعَمِّدًا فَعَفَا بَعْضُ الأَوْلِيَاءِ ‏,‏ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ قُلْ فِيهَا ‏,‏ فَقَالَ ‏:‏ أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ تَقُولَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ‏,‏ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ‏:‏ إذَا عَفَا بَعْضُ الأَوْلِيَاءِ فَلاَ قَوَدَ ‏,‏ يُحَطُّ عَنْهُ بِحِصَّةِ الَّذِي عَفَا وَلَهُمْ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ ‏,‏ فَقَالَ عُمَرُ ‏:‏ ذَلِكَ الرَّأْيُ ‏,‏ وَافَقْتَ مَا فِي نَفْسِي‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلاً ‏,‏ فَجَاءَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ ‏,‏ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ ‏,‏ فَقَالَتْ أُخْتُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ امْرَأَةُ الْقَاتِلِ ‏:‏ قَدْ عَفَوْت عَنْ حِصَّتِي مِنْ زَوْجِي ‏,‏ فَقَالَ عُمَرُ ‏:‏ عَتَقَ الرَّجُلُ مِنْ الْقَتْلِ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ ‏:‏ عَفْوُ كُلِّ ذِي سَهْمٍ جَائِزٌ‏.‏ وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ فِي رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلاً عَمْدًا فَعَفَا أَحَدُ بَنِي الْمَقْتُولِ ‏,‏ وَأَبَى الآخَرُ ‏:‏ فَإِنَّهُ يُعْطَى الَّذِي لَمْ يَعْفُ شَطْرَ الدِّيَةِ‏.‏ وَعَنْ قَتَادَةَ إذَا عَفَا أَحَدُ الأَوْلِيَاءِ فَإِنَّمَا تَكُونُ دِيَةً ‏,‏ وَيَسْقُطُ عَنْ الْقَاتِلِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الَّذِي عَفَا‏.‏ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إذَا عَفَا أَحَدُهُمْ فَالدِّيَةُ‏.‏

وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ‏:‏ الْعَفْوُ إلَى الأَوْلِيَاءِ ‏,‏ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ عَفْوٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ ‏:‏ صَاحِبُ الدَّمِ أَوْلَى بِالْعَفْوِ‏.‏ وَعَنْ قَتَادَةَ ‏:‏ لاَ عَفْوَ لِلنِّسَاءِ ‏,‏ فَإِذَا كَانَتْ الدِّيَةُ فَلَهَا نُصِيبُهَا‏.‏ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ‏:‏ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ‏.‏ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ‏,‏ لاَ عَفْوَ لِلْمَرْأَةِ فِي الْعَمْدِ‏.‏ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ‏:‏ لَيْسَ لِلزَّوْجِ ، وَلاَ لِلْمَرْأَةِ عَفْوٌ‏.‏ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ ‏,‏ وَرَبِيعَةَ ‏,‏ وَأَبِي الزِّنَادِ ‏,‏ قَالَ رَبِيعَةُ ‏:‏ لَيْسَ لِلْأُمِّ عَفْوٌ ‏,‏ وَالْوَلِيُّ وَلِيٌّ حَيْثُ كَانَ ‏,‏ وَالْبِنْتُ تَعْفُو مَعَ وُلاَةِ الدَّمِ ‏,‏ وَلاَ تَعْفُو الْوُلاَةُ دُونَهَا‏.‏ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ ‏:‏ وَلِيُّهُ أَوْلَى بِذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ ‏:‏ أَمَّا الْعَفْوُ فَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا‏.‏ أَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ ‏,‏ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ ‏,‏ وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ ‏,‏ وَالأَوْزَاعِيَّ ‏,‏ وَالشَّافِعِيَّ ‏,‏ قَالُوا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ ‏:‏ أَنَّ لِكُلِّ وَارِثٍ عَفْوًا ، وَلاَ يُقْتَلُ إِلاَّ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قَتْلِهِ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ ‏,‏ وَاللَّيْثُ ‏:‏ لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى ‏:‏ لِكُلِّ وَارِثٍ عَفْوٌ إِلاَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فَلاَ عَفْوَ لَهُمَا‏.‏ قَالَ مَالِكٌ ‏:‏ الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ عَمْدًا وَلَيْسَ لَهُ وُلاَةٌ إِلاَّ النِّسَاءَ وَالْعَصَبَةَ فَأَرَادَا أَنْ يَعْفُوَا عَنْ الدَّمِ ‏,‏ وَأَبَى بَنَاتُ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ لاَ عَفْوَ لِلْعَصَبَةِ ‏,‏ يُقْتَلُ بِهِ قَاتِلُهُ‏.‏ فَإِنْ أَرَادَ بَنَاتُ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُونَ وَأَبَى الْعَصَبَةُ فَلاَ عَفْوَ لِلْبَنَاتِ ‏,‏ وَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْعَصَبَةُ ‏,‏ وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ إذَا لَمْ يُجْتَمَعْ عَلَى الْعَفْوِ‏.‏

وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَرَادَتْ الْقَتْلَ وَعَفَا الْعَصَبَةُ فَيُقْتَلُ ، وَلاَ عَفْوَ لِلْعَصَبَةِ‏.‏ وَرَأْيٌ ‏:‏ إذَا كَانَ لِلْمَقْتُولِ ابْنٌ وَابْنَةٌ ‏:‏ أَنَّهُ لاَ عَفْوَ لِلأَبْنَةِ مَعَ الأَبْنِ ‏,‏ وَلَكِنْ إنْ عَفَا الأَبْنُ جَازَ عَلَى الأَبْنَةِ‏.‏ وَرَأْيٌ ‏:‏ عَفْوُ الأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ مِنْ الْعَصَبَةِ جَائِزٌ عَلَى الأَبْعَدِ مِنْهُمْ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا احْتَجَّتْ بِهِ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا لِنَعْلَمَ الْحَقَّ مِنْ ذَلِكَ ‏:‏

فَنَظَرْنَا فِيمَا قَالَتْ بِهِ الطَّائِفَةُ الْقَائِلَةُ بِأَنَّ عَفْوَ كُلِّ ذِي سَهْمٍ جَائِزٌ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ‏{‏وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ‏}‏ فَلَمَّا كَانَ الْعَفْوُ أَقْرَبَ لِلتَّقْوَى وَجَبَ أَنَّ مَنْ دَعَى إلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى كَانَ قَوْلُهُ أَوْلَى‏.‏ وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ ‏:‏ مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إِلاَّ أَمَرَ بِالْعَفْوِ قَالُوا ‏:‏ فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ فِي كُلِّ قِصَاصٍ رُفِعَ إلَيْهِ بِالْعَفْوِ ‏,‏ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ مُغَلَّبًا عَلَى الْقَوَدِ‏.‏ وَهَذَا أَيْضًا حُكْمٌ قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ ‏,‏ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ‏.‏ فَهَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ ‏,‏ مَا نَعْرِفُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَهُ أَصْلاً‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ الْعَفْوُ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ إِلاَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَا مِنْ الْعَصَبَةِ ‏,‏ وَلاَ يَعْقِلاَنِ مَعَ الْعَاقِلَةِ‏.‏ وَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ ‏:‏ الْعَفْوُ لِلرِّجَالِ خَاصَّةً دُونَ النِّسَاءِ ‏,‏ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً أَصْلاً ‏,‏ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا ‏:‏ إنَّهُنَّ لاَ يَرِثْنَ الْوَلاَءَ ‏,‏ وَلاَ الْوِلاَيَةَ فِي الْإِنْكَاحِ فَكَذَلِكَ لاَ عَفْوَ لَهُنَّ

وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ لَيْسَا مِنْ الْعَصَبَةِ ‏,‏ فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ‏.‏ وَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُمْ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ لِلْعَصَبَةِ ‏,‏ وَهَذَا حُكْمٌ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرٌ ‏,‏ وَلاَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ بَاطِلُ‏.‏

وَأَمَّا أَنَّهُمَا لاَ يَعْقِلاَنِ مَعَ الْعَاقِلَةِ فَنَعَمْ ‏,‏ فَكَانَ مَاذَا وَمَا الَّذِي أَدْخَلَ حُكْمَ الْعَاقِلَةِ فِي حُكْمِ الْعَفْوِ مِنْ الدَّمِ وَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَتْلِ فِي الْخَطَأِ خَاصَّةً وَالْعَفْوُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَمْدِ خَاصَّةً ‏,‏ فَمَا الَّذِي جَمَعَ بَيْنَ حُكْمِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى الْعَفْوَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا فَاسِدًا ‏,‏ لأََنَّهُ قِيَاسٌ ‏,‏ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً ‏,‏ لأََنَّهُ مَرَّةً غَلَّبَ مَنْ دَعَا إلَى الْقَتْلِ ‏,‏ وَذَلِكَ فِي الأَبْنَةِ مَعَ الْعَصَبَةِ ‏"‏ فَرَأَى ‏:‏ إنْ دَعَا الْعَصَبَةُ إلَى الْقَتْلِ وَعَفَتْ الأَبْنَةُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْعَصَبَةِ

وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا قَدْ يُدْخِلُهَا زَوْجُهَا إلَى الْعَفْوِ ‏,‏ وَأَمْرُهَا إلَى الضَّعْفِ ‏,‏ وَإِنْ عَفَا الْعَصَبَةُ وَدَعَتْ الأَبْنَةُ إلَى الْقَتْلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الأَبْنَةِ

وَاحْتَجَّ بِأَنَّهَا الْمُصَابَةُ بِأَبِيهَا فَمَرَّةً رَاعَى ضَعْفَهَا ‏,‏ وَإِدْخَالَ زَوْجِهَا لَهَا إلَى الْعَفْوِ ‏,‏ وَلَمْ يُرَاعِ مُصِيبَتَهَا وَمَرَّةً غَلَّبَ مَنْ دَعَا إلَى الْعَفْوِ ‏,‏ وَذَلِكَ فِي الْبَنِينَ يَعْفُو أَحَدُهُمْ دُونَ الآخَرِينَ وَمَرَّةً غَلَّبَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ وَذَلِكَ فِي الْبَنَاتِ مَعَ الأَبْنِ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ ظَاهِرَةُ التَّنَاقُضِ يَهْدِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ‏,‏ لاَ حُجَّةَ لِشَيْءٍ مِنْهَا ‏,‏ لاَ فِي قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ‏,‏ وَلاَ سَقِيمَةٍ ‏,‏ وَلاَ قِيَاسٍ ‏,‏ وَلاَ فِي إجْمَاعٍ ‏,‏ وَلاَ فِي قَوْلِ صَاحِبٍ فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَسَقْطَ مِنْ سَائِرِ الأَقْوَالِ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حُجَّةِ مَنْ أَجَازَ عَفْوَ كُلِّ وَارِثٍ وَغَلَّبَهُ ‏,‏ فَوَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى‏}‏ ‏,‏

وَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ فَأَعْلَى مَا يُرِيدُهُ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ أَعْظَمَ أَجْرًا ‏,‏ وَالْقِصَاصُ بِلاَ شَكٍّ مُبَاحٌ وَإِذَا كَانَ كِلاَهُمَا مُبَاحًا فَلاَ يَجُوزُ بِلاَ خِلاَفٍ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الأَفْضَلِ مَنْ لاَ يُرِيدُهُ غَيْرَ رَاغِبٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ حَقِّ مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ إذَا عَفَا أَحَدُ الْوَرَثَةِ‏.‏ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إنْ صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ رُفِعَ إلَيْهِ شَيْءٌ فِيهِ قِصَاصٌ إِلاَّ أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ لأََنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ إنْ صَحَّ فَإِنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ لاَ أَمْرُ إلْزَامٍ ‏,‏ فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الأَفْضَلِ مَنْ لاَ يُرِيدُهُ غَيْرَ رَاغِبِ عَنْهُ إذَا أَرَادَ مَا أُبِيحَ لَهُ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ تَعَلُّقٌ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَلَمَّا سَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا وَتَعَرَّتْ مِنْ الأَدِلَّةِ وَجَبَ عَلَيْنَا إذْ تَنَازَعُوا أَنْ نَرْجِعَ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ‏}‏ الآيَةَ ‏,‏ فَفَعَلْنَا فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ ‏:‏ ‏{‏وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ‏}‏ ‏,‏ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْقِصَاصَ حَقًّا ‏,‏ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام أَهْلَ الْقَتِيلِ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ إمَّا أَخْذُ الْعَقْلِ ‏,‏ وَأَمَّا الْقَتْلُ ‏,‏ فَسَاوَى بَيْنَ الأَمْرَيْنِ أَيَّهُمَا شَاءُوا وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الزَّهْرَانِيُّ سَمِعْت مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ‏:‏ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ ‏,‏ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جُهْدٍ أَصَابَهُمَا فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَيِّصَةُ وَأَخْبَرَ ‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ ‏:‏ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ ‏,‏ قَالُوا ‏:‏ وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ ‏,‏ ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ‏,‏ ثُمَّ أَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ مُحَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ ‏,‏ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ لِيَتَكَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُبْرَ ‏,‏ الْكُبْرَ ‏,‏ إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ ‏,‏

وَأَمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ ‏,‏ فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ ‏,‏ فَكَتَبُوا ‏:‏ إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا ‏:‏ لاَ‏.‏ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَبِهِ ‏:‏ إلَى مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ‏,‏ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ مُحَيِّصَةُ بْنَ مَسْعُودٍ ‏,‏ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا قِبَلَ خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ ‏,‏ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ ‏,‏ فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ ‏,‏ فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ‏,‏ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ ‏,‏ وَمُحَيِّصَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبِّرْ ‏,‏ الْكُبْرَ ‏,‏ أَوْ قَالَ ‏:‏ لِيَبْدَأْ الأَكْبَرُ فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا ‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ عَنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ فَقَالُوا ‏:‏ أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ‏.‏

فَفِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْحَقَّ فِي طَلَبِ الدَّمِ لأَبْنِ الْعَمِّ لِسِنِّهِ كَمَا جَعَلَهُ لِلأَخِ لِلأَبِ الْوَارِثِ دُونَ ابْنِ الْعَمِّ ‏,‏ وَأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام بَدَأَ ابْنُ الْعَمِّ لِسِنِّهِ فَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُ مَنْ رَاعَى أَنَّ الْحَقَّ لِلأَقْرَبِ فَالأَقْرَبِ ‏,‏ أَوْ لِلْوَارِثِ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏ وَصَحَّ أَنَّ الْحَقَّ ‏"‏ لِلأَهْلِ ‏"‏ كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ‏,‏ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ ‏,‏ وَابْنُ الْعَمِّ مِنْ ‏"‏ الأَهْلِ ‏"‏ بِلاَ شَكٍّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَهَذَا هُوَ الْإِجْمَاعُ الصَّحِيحُ ‏,‏ لأََنَّهُ كَانَ بِعِلْمِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ ‏,‏ إذْ قَتْلُ مِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ ‏,‏ وَقِيَامُ بَنِي حَارِثَةَ فِي طَلَبِ دَمِهِ لاَ يُمْكِنُ اسْتِتَارُ مِثْلِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ قَوْمِهِ ‏,‏ وَعَنْ الْمُهَاجِرِينَ ‏,‏ فَإِذَا الْحَقُّ لِلْجَمِيعِ سَوَاءٌ ‏,‏ فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُغَلَّبَ أَحَدُهُمْ عَلَى الآخَرِينَ مِنْهُمْ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ نَصَّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ‏.‏ ثُمَّ نَظَرْنَا إذَا عَفَا أَحَدُ ‏"‏ الأَهْلِ ‏"‏ وَلَمْ يَعْفُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ بَعْدَ صِحَّةِ الأَتِّفَاقِ مِنْ إجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْقَوَدِ نَفَذَ ‏,‏ وَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَفْوِ نَفَذَ وَقِيَامُ الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ اتَّفَقُوا عَلَى الدِّيَةِ أَوْ الْمُفَادَاةِ نَفَذَ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْقَوَدَ وَالدِّيَةَ قَدْ وَرَدَ التَّخْيِيرُ فِيهِمَا وُرُودًا وَاحِدًا لَيْسَ أَحَدُهُمَا مُقَدَّمًا عَلَى الآخَرِ ‏,‏ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُغَلَّبَ عَفْوُ الْعَافِي عَلَى إرَادَةِ مَنْ أَرَادَ الْقِصَاصَ عَلَى عَفْوِ الْعَافِي إِلاَّ بِنَصٍّ ‏"‏ أَوْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ نَصَّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعَ فِي تَغْلِيبِ الْعَافِي

فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى‏}‏ فَوَجَبَ بِهَذِهِ الآيَةِ أَنْ لاَ يَجُوزَ عَفْوُ الْعَافِي عَمَّنْ لَمْ يَعْفُ‏.‏ وَوَجَدْنَا الْقَاتِلَ قَدْ حَلَّ دَمُهُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ ‏:‏ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ ‏:‏ كُنَّا مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه وَهُوَ مَحْصُورٌ فَخَرَجَ إلَيْنَا وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ لَوْنُهُ فَقَالَ ‏:‏ يَتَوَاعَدُونِي بِالْقَتْلِ آنِفًا ‏,‏ وَبِمَ يَقْتُلُونَنِي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ‏:‏ لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ ‏:‏ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلاَمِهِ ‏,‏ أَوْ زَنَا بَعْدَ إحْصَانٍ ‏,‏ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ‏,‏ فَيُقْتَلُ فَوَاَللَّهِ مَا زَنَيْت فِي جَاهِلِيَّةٍ ، وَلاَ إسْلاَمٍ قَطُّ ‏,‏ وَلاَ أَحْبَبْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلاً مُذْ هَدَانِي اللَّهُ تَعَالَى ‏,‏ وَلاَ قَتَلْتُ نَفْسًا ‏"‏‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ فَصَحَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا خَرَجَ دَمُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ إلَى التَّحْلِيلِ بِنَفْسِ قَتْلِهِ مَنْ قَتَلَ ‏,‏ فَإِذْ صَحَّ هَذَا فَالْقَاتِلُ مُتَيَقَّنٌ تَحْلِيلُ دَمِهِ وَالدَّاعِي إلَى أَخْذِ الْقَوَدِ دَاعٍ إلَى مَا قَدْ صَحَّ بِيَقِينٍ وَذَلِكَ لَهُ ‏,‏ وَالْعَافِي مُرِيدٌ تَحْرِيمَ دَمٍ قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ بِيَقِينٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ‏,‏ إِلاَّ بِنَصٍّ ‏,‏ أَوْ إجْمَاعٍ ‏,‏ وَمُرِيدُ أَخْذَ الدِّيَةِ دُونَ مَنْ مَعَهُ مُرِيدٌ إبَاحَةَ أَخْذِ مَالٍ ‏,‏ وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏:‏ إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِإِبَاحَةِ دَمِ الْقَاتِلِ ‏,‏ كَمَا

قلنا بِيَقِينِ قَتْلِهِ ‏,‏ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِبَاحَةِ الدِّيَةِ إِلاَّ بِأَخْذِ ‏"‏ الأَهْلِ ‏"‏ لَهَا ‏,‏ وَهَذَا لَفْظٌ يَقْتَضِي إجْمَاعَهُمْ عَلَى أَخْذِهَا فَالدِّيَةُ مَا لَمْ يُجْمِعْ ‏"‏ الأَهْلُ ‏"‏ عَلَى أَخْذِهَا ‏,‏ إذْ لَمْ يُبِحْهَا نَصٌّ ‏,‏ وَلاَ إجْمَاعٌ فَبَطَلَ بِيَقِينٍ‏.‏ وَصَحَّ أَنَّ مَنْ دَعَا إلَى الْقَوَدِ فَهُوَ لَهُ

وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْبَنَاتِ مَعَ الْعَصَبَةِ ‏,‏ إِلاَّ أَنَّهُ نَاقَضَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ ‏,‏ وَفِي بَعْضِ الْبَنِينَ مَعَ بَعْضٍ‏.‏

قال أبو محمد ‏:‏ وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَأَنَّ الْحُكْمَ لِلأَهْلِ وَهُمْ الَّذِينَ يُعْرَفُ الْمَقْتُولُ بِالأَنْتِمَاءِ إلَيْهِمْ ‏,‏ كَمَا كَانَ يُعْرَفُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بِالأَنْتِمَاءِ إلَى بَنِي حَارِثَةَ وَهُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُقْسِمَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ الْقَوَدَ أَوْ الدِّيَةَ ‏,‏ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ الْقَوَدَ سَوَاءٌ كَانَ وَلَدًا أَوْ ابْنَ عَمٍّ أَوْ ابْنَةً أَوْ أُخْتًا ‏,‏ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أُمٍّ ‏,‏ أَوْ زَوْجٍ ‏,‏ أَوْ زَوْجَةٍ ‏,‏ أَوْ بِنْتِ عَمٍّ ‏,‏ أَوْ عَمَّةٍ فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ ‏,‏ وَلاَ يُلْتَفَتُ إلَى عَفْوِ مَنْ عَفَا مِمَّنْ هُوَ أَقْرَبُ ‏,‏ أَوْ أَبْعَدُ ‏,‏ أَوْ أَكْثَرُ فِي الْعَدَدِ لِمَا ذَكَرْنَا‏.‏ فَإِنْ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ عَلَى الْعَفْوِ فَلَهُمْ الدِّيَةُ حِينَئِذٍ وَيُحَرَّمُ الدَّمُ ‏,‏ فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْعَفْوَ عَنْ الدِّيَةِ فَلَهُ ذَلِكَ ‏,‏ فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً ‏,‏ إذْ هُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏